لقد ارتفعت قيمة الدولار إلى أعلى مما كانت عليه منذ 30 عامًا بسبب ارتفاع أسعار الفائدة في الولايات المتحدة، والتعافي الاقتصادي السريع نسبيًا في البلد، والانتقال من سندات العملات الصاعدة إلى الأصول المأمونة بالدولار الأمريكي. وقد يفيد هذا السياح الأمريكيين في رحلات التسوق في أوروبا، لكنه له تأثيرات كبيرة -وسلبية- في التجارة الدولية، والشركات العالمية، والاقتصادات المحلية للعديد من البلدان.
العملات الثابتة التي عادةً ما تكون قوية قد انخفضت بقوة مقابل الدولار، وصحيفة Financial Times تصف الدولار بأنه “ملك العملات” (the king of the castle)، مشيرةً إلى أنه بين شهري يناير وسبتمبر عام 2022، انخفض الجنيه الإسترليني بنسبة 21% مقابل الدولار الأمريكي، وانخفض الين بنسبة 20%، واليورو بنسبة 16%، وهي عملات تُستخدم بصورة متكررة في المدفوعات الدولية ويُتوقع أن تكون قوية.
يؤثر تغير سعر الدولار في الشركات الدولية، إذ يرفع أسعار السلع والبضائع المسعّرة بالدولار الأمريكي، ويُصعب على الشركات والحكومات سداد الديون القائمة على الدولار؛ وكذلك يزيد التضخم في البلدان الأخرى، مما يثبط الإنفاق الاستهلاكي ويبطئ النمو.
تخشى الشركات العالمية عجزها عن تحمل تكلفة المواد الخام أو السلع اللازمة لها، أو توقف العملاء خارج الولايات المتحدة عن شراء منتجاتهم، أو كليهما، لأنّ الدولار القوي رفع تكلفة المنتجات الأمريكية خارج الولايات المتحدة. مع ذلك، يمكن تخفيف هذه المخاوف باتخاذ بعض الخطوات، ولكن لا ينبغي الأخذ بها على أنها نصيحة مالية أو بديل للتحدث إلى مستشار مالي/تجاري.
لا يُتوقع أن يتغير هذا الوضع الاقتصادي قريبًا. تقول كاثي جونز، العضو المنتدب وكبير إستراتيجيي الدخل الثابت لمركز “شواب للأبحاث المالية”، إنّ “أسباب ارتفاع الدولار قد تستمر في عام 2023، وأنّ البدائل الجذابة للدولار الأمريكي للمستثمرين العالميين قليلة”.
يشير الخبراء الماليون إلى أنّ الدولار القوي سيواصل التأثير في الشركات الدولية؛ حيث أشار مارتن وولف، كبير المعلّقين الاقتصاديين في صحيفة Financial Times، إلى أنّ “أدوار أسواق رأس المال الأمريكية والدولار أكبر بكثير مما يوحي به الحجم النسبي لاقتصادها، فهي أسواق عالمية وعملتها العملة المأمونة في العالم؛ لذلك، يتأثر عند تغير اتجاه التدفقات المالية من الولايات المتحدة أو إليها”. وعلى الشركات العالمية مواكبة تأثيرات تغير سعر الدولار.
تابع القراءة لتعرف أكثر عن سبب قوة الدولار وتأثير رفع سعر الدولار في الشركات والعملات والمواطنين من مختلف البلدان.
إنّ تذبذب أسعار الصرف ليس أمرًا جديدًا، إذ تُتداوَل كل عملة دولية مقابل العملات الأخرى، فإذا قويت إحداهن، تضعف العملات الأخرى مقارنةً بها. ولكن ليس من المعتاد أن تقوى إحداهن فقط على العملات الأخرى جميعها، وهذه هي الحال مع الدولار القوي حاليًا.
يُشير آدم بوزين، رئيس معهد بيترسون للاقتصاد الدولي، إلى أنّ “الدولار واليورو والين واليوان اختلفت قيمتها اختلافًا طفيفًا نسبيًا لمدة طويلة جدًا، وهذه هي المرة الأولى منذ عقود التي تنخفض فيها جميع العملات مقابل الدولار”. حاليًا، الدولار الأمريكي في أعلى قيمة له منذ 20 عامًا، بينما الجنيه الإسترليني والين الياباني في أقل قيمة لهما منذ عام 1980، واليورو في أقل قيمة له منذ عام 2002.
توجد أسباب متعددة ترفع سعر الدولار.
1.الأداء الاقتصادي في أسواق التمويل العالمية
تعتمد قوة العملة على الأداء الاقتصادي للبلد، فجائحة كوفيد-19 خفضت اقتصاد العالم، لكن الولايات المتحدة استعادت قوة اقتصادها بسرعة أكبر من أي بلد آخر.
ارتفع في الولايات المتحدة نمو الناتج المحلي الإجمالي إلى 15.6% فوق المعدلات في الربع الثالث من عام 2019، لكنه نما في منطقة اليورو بنسبة 8.3% فقط، وانخفض في اليابان بنسبة 3.6%. ومع أنّ الاقتصاد الأمريكي كان أقوى، لكنه الآن أفضل من اقتصاد منافسيه، وتوضح جوليا هورويتز، كاتبة الأعمال في موقع سي إن إن، أنّ “قيمة الدولار الأمريكي ترتفع عندما يكون الاقتصاد الأمريكي قويًا جدًا، أو، على عكس المتوقع، عندما يكون ضعيفًا والعالم يواجه ركودًا”.
2.أسعار السلع
رفعت الحرب في أوكرانيا تكلفة العديد من السلع الأساسية، لا سيما الطاقة والمواد الغذائية مثل القمح وزيت الطهي، لكن هذا الارتفاع في الأسعار أصاب أسواق أوروبا وأفريقيا بدرجة أكبر بكثير من الولايات المتحدة.
ارتفاع الأسعار يدفع المواطنين في تلك الأسواق إلى تقليص إنفاقهم، مما يضعف النمو، فيفقد الناس الثقة في تلك العملات ويتوقفون عن الاستثمار في أصولهم، مما يُخفض قيمة العملة أكثر فأكثر.
3.ارتفاع أسعار الفائدة
ترغب صناديق الاستثمار والحكومات والمستثمرون الأفراد في عوائد مجنية، لذا فهُم يتطلعون إلى الاستثمار في الأماكن التي ترتفع فيها أسعار الفائدة بعد جائحة كوفيد وتواصل ارتفاعها؛ وكان البنك المركزي الأمريكي، الاحتياطي الفيدرالي (Fed)، أول بنك مركزي يرفع أسعار الفائدة بعد جائحة كوفيد، وواصل رفعها، إذ رفع هذا العام أسعار الفائدة خمس مرات بإجمالي 2.25 نقطة مئوية إلى 3.25%، بينما رفع البنك المركزي الأوروبي (ECB) الأسعار مرة واحدة فقط بمقدار 0.75 نقطة إلى 0.75%، وأبقى بنك اليابان الأسعار ثابتة عند -0.10%.
وهذا يعني أنّ الأصول بالدولار الأمريكي أكثر جاذبية للمستثمرين. يوضح جوناثان رايت، أستاذ الاقتصاد في جامعة جونز هوبكنز، أنه “في فاتورة الخزانة اليوم، ستحصل على ما يعادل 3.5 أو 4% في الولايات المتحدة، وإذا كان لديك فاتورة مماثلة في أوروبا، فستكون أقل بكثير – ربما 1%، مما يجعل تدفق رأس المال إلى الدولار، ويرتفع الدولار”.
4.هيمنة التجارة العالمية
من أسباب قوة الدولار الأمريكي فوزه بالمنافسة التجارية، حيث تُسعَّر العديد من السلع الرئيسية مثل النفط والقمح وفول الصويا بالدولار الأمريكي، ويشكّل الدولار الأمريكي نحو 60% من احتياطيات البنوك المركزية حول العالم، أي أكثر من أي عملة أخرى.
يتعين على الشركات والبلدان شراء الدولار الأمريكي لمواكبة التجارة الدولية حتى عندما تكون أسعار تحويل العملات غير عادلة لمشتري الدولار، وهذا يُبقي الدولار قويًا حتى عند عدم توازن الأسعار.
5.معدلات التضخم
التضخم المرتفع تأثير لتغير سعر الدولار وأحد أسبابه؛ فعندما يرتفع التضخم، يُضعِف قيمة العملة والعملة نفسها، والعكس بالعكس.
عندما يكون الدولار قويًا، تقل تكلفة الواردات إلى الولايات المتحدة نسبيًا، لكن الواردات إلى مناطق أخرى في العالم تكلف أكثر نسبيًا، مما يساعد في إبقاء التضخم منخفضًا في الولايات المتحدة لكنه يزيده في المناطق الأخرى، وبذلك يرتفع الدولار وتنخفض العملات الأخرى أكثر.
إنّ الدولار الأمريكي عملة مهمة للتمويل العالمي، فليس غريبًا إذًا أن يؤثر في الشركات في جميع أنحاء العالم ومن جميع الأحجام والمجالات. نصف التجارة الدولية تُجرَى بالدولار، لذلك يتعين على كل شركة التعامل جيدًا بتأثير تغير سعر الدولار.
ككل توجه مالي عالمي، لدى الدولار القوي تأثيرات إيجابية وسلبية.
الشركات العابرة للحدود التي تستورد المواد الخام أو السلع النهائية إلى الولايات المتحدة ستؤدي أداءً جيدًا لأن الدولار الأمريكي لديه قوة شرائية أكبر. يقول جوردان روتشستر، كبير المخططين للصرف الأجنبي في Nomura Securities، إنّ “استيراد المعادن الخام والطاقة من الخارج سيكون إيجابيًا بالنسبة إليك ما لم يُسعَّر بالدولار”.
بائعو التجارة الإلكترونية أو المنشآت الصناعية الذين يتعين عليهم شراء سلع مسعرة بالدولار قد يعجزون عن الحفاظ على مستويات المخزون أو الإنتاج، فإذا لم يستوردوا السلع التي تلزمهم، قد لا يتمكنون من تحمل تكاليف البيع وإن زاد الطلب.
الشركات التي مقرها الولايات المتحدة والتي تصدّر إلى الأسواق الدولية تعاني أيضًا؛ حيث إنّ الدولار القوي جعل سلعهم أغلى ثمنًا للعملاء في الخارج، وهذا يؤثر في شركات التجارة الإلكترونية الصغيرة والمتوسطة الحجم والشركات الدولية مثل Boeing وApple. يقول مايكل كلاين، أستاذ الشؤون الاقتصادية الدولية بجامعة تافتس إنّ “هذا الوضع صعب جدًا بالنسبة إلى معظم الشركات الأمريكية المصدِّرة”.
كذلك تواجه المنظمات الدولية التي مقرها الولايات المتحدة صعوبات في التسعير؛ فهم يريدون أن تكون تكلفة سلعهم متماثلة تقريبًا بكل عملة، ولكن الأمر يصعب عندما تفوق قيمة الدولار الأمريكي العملات الأخرى بدرجة كبيرة. يسأل توم سويت، المدير المالي لشركة Dell Technologies، “مع قوة الدولار، فإنّ تعديل أسعار العملات المحلية في سبيل الحفاظ على أرباح وخسائر الدولار الأمريكي بالكامل عملية موازنة دقيقة؛ فإلى أي مدى يمكن تعديل الأسعار دون إعاقة الطلب؟”.
الدولار القوي جيد لأصحاب الشركات، والعاملين المستقلين، والمتعاقدين الذين يعيشون في بلد حيث الدولار قوي لكن لديهم عملاء دوليون يدفعون بالدولار الأمريكي، فاختلاف سعر الدولار يرفع أرباحهم الحقيقية من التحويلات المالية. وينطبق الأمر نفسه على أي شخص يكسب إيرادات بالدولار الأمريكي لكنه يدفع نفقات، مثل الموردين، بعملته المحلية.
أما الأشخاص الذين يتلقون مدفوعات تجارية بالعملة المحلية لكن عليهم الدفع إلى الموردين أو دفع النفقات بالدولار الأمريكي، فتنخفض أرباحهم، ويلزمهم العمل بجدية أكبر لكسب المبلغ المعادل بالدولار الأمريكي.
المستثمرون قلقون أيضًا بشأن تأثير تغير سعر الدولار، فالناس يبحثون عن استثمارات مأمونة في الأوقات المضطربة – كما هي الحال بعد جائحة أو في أثناء حرب؛ والدولار القوي يجعل الأصول القائمة على الدولار مستقرة وجذابة، فيسارع المستثمرون إلى بيع الاستثمارات بالعملة المحلية والشراء بالدولار الأمريكي، مما يعجّل في انخفاض سندات الاقتصادات الصاعدة.
لكن الأمر ليس بهذه السهولة، حيث يحذّر محللو شركة Morgan Stanley من أنّ الدولار القوي يضعف أرباح الشركات العالمية التي تبيع في الخارج وتحوِّل إلى الدولار، وسيؤثر ذلك على أداء أسهمهم وحصصهم مع أنها أصول بالدولار الأمريكي. ويُوصون المستثمرين بموازنة الأصول الدولية والأمريكية، لكن المستثمرين ما زالوا يفضّلون الدولار حاليًا.
لا تبقى أسعار الصرف ثابتة أبدًا، لذلك يتعين على الشركات التفكير في طرق للتعامل مع تذبذب أسعار الصرف، مع أنه لا توجد طريقة لتجنب تأثير أسعار الصرف تمامًا في الشركات، ولكن يمكن تخفيفه.
على الشركات التي تستورد المواد الخام أو السلع النهائية، أو تصدّر المنتجات، أو تدفع الأموال إلى الموظفين عن بُعد أو العاملين المستقلين بعملات أخرى، التفكير مسبقًا في الطرق الحالية والمستقبلية التي تؤثر بها أسعار الصرف في الشركات الدولية. إليك بعض الخطوات التي يمكن اتخاذها لتقليل الضرر الناجم عن تغير أسعار العملات الأجنبية.
تستخدم العديد من الشركات الكبرى التحوط من العملات لحماية نفسها من قوة العملات العالمية أو ضعفها، لكن التحوط لا ينجح إلا اُستخدِم مبكرًا. يشير رايت إلى أنّ الشركات التي استخدمت التحوط من العملات الأجنبية قبل عامين سيكون الدولار القوي في صالحها؛ أما تلك التي لم تفكر مسبقًا في ذلك، “ربما قد فات الأوان الآن”.
2.كُن مرنًا بشأن المبادرات التسويقية
ابحث عن فرص تسويقية جديدة عند تذبذب العملات؛ على سبيل المثال، إذا رفعَت أسعارُ الصرف أسعارَ السوق المحلي، فابحث في الأسواق العابرة للحدود حيث قد تكون معدلات تحويل العملات أكثر ملاءمة وقد يكون إجراء المبيعات أسهل، أو العكس.
3.أنشئ خطة للعملات
يمكن للشركات التي تنشئ خطة عملات أن تتعامل أفضل مع تحويلات العملات، ويمكن لخبير العملات مساعدة الشركات في البحث عن طرق لحماية نفسها من تذبذب أسعار الصرف، مثل استخدام خدمة تحويل الأموال لتأمين معدلات مواتية لتحويل العملات مسبقًا.
من ضمن الخيارات الاحتفاظ بحسابات متعددة العملات تسمح للشركات بتلقي الأموال والاحتفاظ بها بعملات أخرى بدلًا من تحويل الدخل فورًا إلى العملة المحلية ثم تحويله مرة أخرى عند الحاجة إلى دفع المصروفات أو الدفع إلى الموردين بالعملة الأجنبية، وبهذا يمكن لأصحاب الشركات الاحتفاظ بأموالهم بالدولار وتجنب أسعار الصرف.
5.ابحث عن بائعين بديلين
يمكن أن يؤثر تغير أسعار صرف العملات الدولية في الأسعار التي يتقاضاها الموردون والبائعون؛ فإذا تغيرت أسعار الصرف كثيرًا، يُستحسن البحث عن موردين محليين بدلًا من استيراد البضائع من الخارج. وقد تجد بعض الشركات أنّ بعض الموردين يتقاضون رسومًا بالدولار الأمريكي في حين يقبل آخرون العملة المحلية، مما قد يُحدث فرقًا في النفقات عندما يكون الدولار قويًا.
مع أنّ تغير سعر الدولار قد يؤثر سلبًا في بعض البلدان، إلا أنّ الدولار القوي يُفيد بعض البلدان؛ فكما ذكرنا سابقًا، يُبقي ارتفاع الدولار التضخم منخفضًا في الولايات المتحدة وفي بلدان أخرى تستخدم الدولار الأمريكي.
كثيرًا ما يتساءل الناس عن عدد البلدان التي تستخدم الدولار الأمريكي. مع أنه مقبول في معظم أنحاء العالم، إلا أنّ الدولار الأمريكي عملة قانونية فقط في 8 بلدان: الإكوادور والسلفادور في أمريكا اللاتينية؛ وزيمبابوي في أفريقيا؛ ودول المحيط الهادئ في جزر مارشال وميكرونيسيا وبالاو وتيمور الشرقية؛ وفي الولايات المتحدة نفسها. ويمكن لجميع هذه البلدان الاستفادة من انخفاض التضخم وانخفاض تكلفة الواردات، مما يعزز النمو الاقتصادي.
يفيد هذا التغير أيضًا البلدان التي يكون فيها الدولار الأمريكي قويًا والتي تعتمد على السياحة؛ فعندما يكون الدولار قويًا، يمكن للسائحين الأمريكيين شراء المزيد بأموال سفرهم، من حقائب اليد المصممة في ميلانو إلى غرف الفنادق الصغيرة في برشلونة. وتأمل هذه البلدان أن يجذب الدولار القوي مزيدًا من الزائرين.
تكلفة المعيشة منخفضة في البرتغال، الموجودة في منطقة اليورو، مما يجعلها وجهة مفضلة للرحالة الرقميين؛ والآن بعد تكافؤ اليورو مع الدولار الأمريكي تقريبًا، تأمل البرتغال أن يأتي مزيد من الأشخاص إليها لقضاء عطلة والعمل لمدة طويلة.
لا ينحصر تأثير تغير سعر الدولار في البلدان التي تبحث عن سياح أمريكيين وتلك التي تستخدم الدولار الأمريكي، بل يؤثر أيضًا في بلدان كثيرة مختلفة، اعتمادًا على ما إذا كانت تعتمد على الاستيراد أو التصدير، ومعدلات التضخم، وحجم ديونها بالدولار. فيما يأتي تفصيل لكيفية تأثير الدولار الأمريكي القوي في الاقتصاد في بلدان التمويل العالمية الرئيسية.
للدولار القوي تأثير إيجابي وآخر سلبي في الاقتصاد الأمريكي؛ فأما الإيجابي، فأسعار صرف الدولار المرتفعة تُبقي التضخم منخفضًا، وتُشجع الإنفاق الاستهلاكي، وتُعزز النمو.
قال ريا توماس، كبير الاقتصاديين في Wilmington Trust إنّ “الدولار القوي يخفف ضغوط التضخم”، ويتوقع كبير الاقتصاديين ورئيس قسم الأبحاث في JP Morgan أنّ الدولار القوي يمكن أن يخفض التضخم نقطةً مئويةً كاملةً.
وأما التأثير السلبي، فالدولار القوي يصعب على الشركات الأمريكية البيع إلى العملاء في الخارج؛ وبانخفاض الصادرات، يرتفع العجز التجاري للولايات المتحدة، أي تُنفق الدولة على الواردات أكثر مما تكسب من الصادرات. يبلغ متوسط عجز الميزان التجاري للولايات المتحدة نحو تريليون دولار سنويًا، وهذه مشكلة عندما تبلغ الديون الأمريكية أكثر من ناتجها المحلي الإجمالي الكامل. وكذلك، يشجع الدولار القوي مزيدًا من الأمريكيين على شراء الأصول الأجنبية الرخيصة نسبيًا، مما يسرّع العجز التجاري.
وفي الوقت نفسه، تُجري الشركات الكبرى التي مقرها الرئيسي في الولايات المتحدة مبيعات بالعملات المحلية في جميع أنحاء العالم، لكنها تحوّل إيراداتها إلى الدولار الأمريكي من أجل التقارير المالية، ومعدلات تحويل العملات تخفض أرباحها؛ إذ ذكرت شركة Microsoft أنّ الدولار القوي سيخفض أرباحها المتوقعة بنحو 250 مليون دولار هذا العام، وتقول شركة Salesforce إنها ستخسر أكثر من 800 مليون دولار بسبب أسعار الصرف. والشركات المتعددة الجنسيات في الولايات المتحدة تعتمد على العمليات الخارجية لنحو 30% من إجمالي أرباحها، أي إنّ الدولار القوي قد يعيق دخلها فعلًا.
كثير من الاقتصادات الناشئة، ومنها تلك الموجودة في أمريكا اللاتينية، تعاني بسبب الجائحة، والدولار القوي قد يزيد الأمر سوءًا؛ خاصةً أنّ المستثمرين يبيعون السندات بالعملات الصاعدة ويشترون الدولار الأمريكي بدلًا من ذلك، مما يستنزف الاحتياطيات الأجنبية من الأسواق الناشئة.
النمو في أمريكا اللاتينية متنوع جدًا؛ فبعض البلدان لديها عملات غير مستقرة أو اقتصاد سيء أو كلاهما، مثل تشيلي أو فنزويلا اللتان تعتمدان على الواردات للسلع الأساسية المسعّرة بالدولار الأمريكي غالبًا، ومع ارتفاع الدولار، ترتفع الأسعار، ويجد هذان البلدان صعوبة أكبر في دفع ثمن السلع مثل المواد الغذائية الأساسية والوقود.
كذلك لدى عدد من البلدان في أمريكا اللاتينية، مثل الأرجنتين والسلفادور، ديون كبيرة بالدولار قد تتغلب في سدادها بالدولار عندما يرتفع. وفي بعض البلدان مثل فنزويلا، فإنّ انهيار الاقتصاد يعني الوثوق بالدولار الأمريكي أكثر بكثير من العملة المحلية، ولكن عندما ترتفع أسعار صرف الدولار الأمريكي، يصعب على الفنزويليين العاديين تأمين الدولار الأمريكي، كما تنفد احتياطيات الدولار الأمريكي من الحكومة.
وفي المقابل، تستفيد بعض بلدان أمريكا اللاتينية من تأثير تغير سعر الدولار؛ فبلدان مثل البرازيل والمكسيك لا يثقل كاهلها بديون عالية بالدولار الأمريكي، وهي تصدر السلع الثمينة المسعّرة بالدولار الأمريكي مثل المعادن الأساسية، وارتفاع الدولار يعني إمكانية بيع صادراتها بأسعار أعلى، فترتفع الإيرادات ويُعاد ملء احتياطاتها بالدولار.
كما هي الحال في أمريكا اللاتينية، النمو في آسيا متنوع؛ فقد شهد نمو التجارة الإلكترونية في جنوب شرق آسيا ظهورًا للعديد من شركات التجارة الإلكترونية الصغيرة والمتوسطة العابرة للحدود في الهند والصين وتايلاند والفلبين وعبر جنوب شرق آسيا. ويمكن لأصحاب الشركات الصغيرة والمتوسطة الحجم الذكية شراء السلع بالعملة المحلية من موردين محليين وبيعها بالدولار الأمريكي للعملاء الأمريكيين، مما يزيد أرباحهم ويساعد بدوره في النمو الاقتصادي المحلي.
لكن العديد من البلدان نفسها تعتمد اعتمادًا كبيرًا على الواردات مثل النفط والمعادن الأساسية والمواد الغذائية. قال آلان روبنسون، نائب رئيس شركة RBC Wealth Management: “بالنسبة إلى مستوردي السلع الأساسية مثل الصين والهند، فتأثير ارتفاع الدولار للسلع التي تلزمهم تأثير خاص”.
وأخيرًا، يتعين على العديد من البلدان الآسيوية سداد الديون بالدولار الأمريكي؛ وارتفاع الدولار يعني حاجتهم إلى مزيد من العملة المحلية لسداد ديون الدولار الأمريكي نفسها، فكان على سريلانكا وباكستان ومصر طلب المساعدة من صندوق النقد الدولي.
مع أنّ الدولار القوي يعني أنّ مصدّري النفط المسعّر بالدولار الأمريكي يمكنهم الاستفادة من الأسعار المرتفعة، إلا أنّ ما يحدث خلاف ذلك؛ حيث إنّ ارتفاع أسعار الدولار، وتباطؤ النمو العالمي، والمخاوف من حدوث ركود، خفضت أسعار النفط. في شهر سبتمبر، انخفضت أسعار النفط إلى أدنى مستوى لها في ثمانية شهور في الوقت نفسه الذي ارتفع فيه الدولار إلى أعلى ما يمكن، وهذا سيء لمصدّري النفط الرئيسيين مثل دول الخليج والمملكة العربية السعودية وروسيا.
بسبب العقوبات الغربية التي نتجت عن حرب روسيا على أوكرانيا، فإنّ روسيا قلقة بشأن إيرادات النفط، فهي مصدر دخلها الرئيسي؛ ومع ذلك، فإنّ منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك) ليست قلقة بعد، إذ إنها تحافظ على الأسعار منخفضةً والعرض مرتفعًا على أمل امتلاك حصة أكبر في السوق.
للدولار القوي تأثير إيجابي على بلدان منطقة اليورو التي تعتمد كثيرًا على السياحة. لقد مرّ 20 عامًا منذ أن تكافأت عملة الدولار الأمريكي واليورو، لذلك يخطط كثير من الأمريكيين لرحلة إلى أوروبا لتحقيق أقصى استفادة من قوتهم الشرائية، وتسعد بلدان منطقة اليورو بقدومهم.
لكن كثير من حكومات الاتحاد الأوروبي قلقة بشأن تأثير تغير سعر الدولار على التضخم؛ فقوة الدولار تضعف اليورو، فيسوء التضخم أكثر لأنه يرفع تكلفة السلع المستوردة. كذلك يبطئ الدولار القوي النمو الاقتصادي، في الوقت الذي ترتفع فيه فواتير الطاقة بسبب الحرب في أوكرانيا.
تحاول الآن البنوك المركزية في أوروبا والمملكة المتحدة رفع أسعار الفائدة الخاصة بها لإبطاء التضخم وجذب المستثمرين إلى أصولهم؛ لكن أسعار الفائدة المرتفعة قد تثبط الإنفاق الاستهلاكي، وتبطئ النمو، وتزيد من عبء ديونها. وإذا رفعت البنوك الأسعار بسرعة كبيرة، قد يحدث ركود، ولاحظ ديفيد غورا، صحفي في الراديو الوطني العام (NPR)، أنّ “الولايات المتحدة تسبب تضخمًا في بلدان أخرى تعاني أسعارًا مرتفعة”.
يتفق الخبراء الماليون على أنّ الدولار الأمريكي من المرجح أن يبقى قويًا لمدة طويلة، وأشار بنك الاحتياطي الفيدرالي إلى أنه سيواصل رفع أسعار الفائدة لبقية العام وحتى عام 2023؛ وحتى عند توقف رفع أسعار الفائدة، لا يبدو أنّ الاحتياطي الفيدرالي يخطط لخفض أسعار الفائدة في أي وقت قريب.
ومع أنّ العديد من البنوك المركزية تتسارع إلى رفع أسعار الفائدة لديها، إلا أنها لا تستطيع مواكبة ارتفاع الدولار الأمريكي، وهذا يعني أنّ الأصول بالدولار الأمريكي ستستمر في جذب المستثمرين، وكذلك فإنّ أسعار الصرف قد وصلت قوة محددة ستستمر لبعض الوقت. كتب سكوت رين، كبير المحللين الإستراتيجيين للسوق العالمي في شركة Wells Fargo Investment Institute: “إننا نتطلع إلى بقاء قوة الدولار تامة في المدى القريب إلى المتوسط”.
يُتوقَّع أيضًا أن تبقى أسعار الوقود والسلع الأساسية مرتفعة إلى وقت قريب، وهذا عامل آخر يُبقي الدولار الأمريكي مرتفعًا.
في الماضي عندما قوي الدولار قوة غير عادية، اجتمعت البنوك المركزية واتفقت على التدخل لاستعادة التوازن في سوق الصرف الأجنبي؛ لكن من غير المرجح أن يحدث هذا هذه المرة.
قال الاقتصادي ستيفن كامين، المدير السابق لقسم التمويل الدولي في بنك الاحتياطي الفيدرالي: “لقد تغيرت سياسات الدولار فعليًا منذ الثمانينات والتسعينات عندما كان آنذاك تدخل نشط. تدرك البنوك المركزية أنّ هذه القوى الاقتصادية الكبيرة هي ما تُغيّر العملات حقًا”.
يؤثر ارتفاع الدولار في الجميع تقريبًا – المستهلكين والحكومات وأصحاب الشركات الدولية والعاملين المستقلين والموردين وغيرهم، ومن المهم مواكبة أخبار تذبذب أسعار الدولار عن طريق قراءة النشرات مثل Reuters وBloomberg وCNN Business، والعثور على طرق لتقليل تأثير تغيرات سعر الدولار.
وفّر المال مع Payoneer
يمكن أيضًا لأصحاب الشركات العابرة للحدود استخدام Payoneer للمدفوعات التجارية، حيث تقدم Payoneer أسعارًا تنافسية لتحويل العملات ورسومًا منخفضة لمساعدة أصحاب الشركات على توفير المال عند الدفع إلى المتلقين في الخارج.
يمكن لأصحاب الشركات الذين يستخدمون Payoneer لإدارة العملات تقليل تأثيرات الدولار القوي، وحتى الاستفادة منه؛ على سبيل المثال، تقدم Payoneer حساب استقبال أمريكيًا يمكّن المستخدمين من تلقي المدفوعات والاحتفاظ بالأموال بالدولار الأمريكي. ويمكن لأصحاب الحسابات استخدام دخلهم بالدولار الأمريكي لدفع مصروفات أخرى أو للشراء، دون خسارة الأموال بالتحويل إلى العملة المحلية ثم إلى الدولار الأمريكي.
كذلك تستفيد الشركات التي لديها حساب Payoneer من التحويلات المجانية إلى مستخدمي Payoneer الآخرين، والتكلفة المنخفضة، والمدفوعات المجانية من خلال بطاقات الائتمان ومديونية بنك ACH والتحويلات البنكية المحلية، والطرق المرنة لاستخدام الأموال. كما تساعد Payoneer الشركات الدولية على تخفيف تأثير الدولار القوي وتحقيق أقصى استفادة من تذبذب أسعار صرف العملات.